أهلا بك في مدينة أحلامي !





ريتا عودة- شاعرة وقاصّة ومترجمة من مواليد النـّاصرة 29-9-1960 * حاصلة على شهادة اللقب الأول في اللغة الانجليزية والأدب المقارن. * تقوم بتدريس اللغة الانجليزية في المدرسة الثانوية البلدية في الناصرة. * حصلت على المرتبة الأولى في مسابقة لكتابة قصيدة الهايكو على مستوى العالم. * حصلت على المرتبة الأولى في مسابقة "الهيجا" على مستوى العالم. * تملك موقعا على الشبكة الإلكترونية: http://ritaodeh.blogspot.com * تمت ترجمة نصوصها إلى العديد من اللغات عبر شبكة الإنترنيت. صدر لها : ثورة على الصّمت-1994 1994 - وزارة الثقافة والمعارف- الناصرة *مرايا الوهم 1998- المدرسة الثانوية البلدية –الناصرة *يوميات غجرية عاشقة 2001 – دار الحضارة – القاهرة * ومن لا يعرف ريتا 2003- دار الحضارة – القاهرة *قبل الإختناق بدمعة 2004 - دار الحضارة – القاهرة *سأحاولكِ مرّة أخرى بيت الشعر الفلسطيني - رام الله- 2008 *أنا جنونك-مجموعة قصصيّة بيت الشعر الفلسطيني - رام الله- 2009 مجموعات الكترونيّة: بنفسجُ الغربـــَة 2008-رواية قصيرة طوبى للغرباء-رواية قصيرة-2007 سيمفونية العودة 2010-رواية




أريدُ أن أحيَا

أريد أن أحيا:
أن أستيقظَ مع الفراشاتْ لأهيم على وجهي في الحقول،
ساعاتٍ وساعاتْ
أن أشاركَ المزارعين
في زرع بذور الأمنياتْ

أريد أن أحيا:
أن أصغي لصوت قطرات المطر
وهي تُعمِّدُ العشبَ والشجرْ
أن أفاوضَ الطيورَ على أجنحتها،
والناياتِ على نغماتها.


أريد أن أحلّقَ أعلى من النسور
أريد أن أغني أفضلَ منَ العَنادل وشتَّى أنواع الطيورْ

أريد أن أنتهرَ جرادِ الظلام
وكأنبياء العهدِ القديم
أدعو للوئامِ بين الأنام

أريدُ أنْ أفعلَ أشياءَ كثيرة عديدَة،
ولكنَّ صوت طلقاتٍ ناريَّة بعيدَة
يشوِّه كلَّ أحلامي



الاثنين، 20 يوليو 2009

طوبى للغرباء2007- رواية قصيرة جدا للأديبة ريتا عودة



طوبى للغرباء2007- رواية قصيرة جدا للأديبة ريتا عودة

-الفصل الأول-


في الوقتِ متسعٌ لأسرد لكَ حكاية موعدي مع الذاكرة, حينما أورقت العاطفة وبرعمت دونما سابق انذار, ففاحَ أريجُ الحبّ الذي ترصد بحري المضطرب الى أن أوقع ببعض الأسماكِ في شبكة الرومانسية .


***


ارتفع صوته كالخرير:
_ آه حنّة,
آه ٍ أيتها الشفافة ,الحالمة,الرقيقة طمئنيني عنكِ حبيبتي! منذ عشرين سنة كنتِ لي وكان القدر بالمرصاد فمضيتِ الى الريح...
رحلتِ ...
فرحلتِ الطيور والزهور والفراشات الملونة
وبقيتُ وحدي, اتوسل الأفق أن يأتيني بقوس قزح.
اجرجر الذاكرة خلفي,
وخوفي ...
ان تحين مني نظرة للخلف فأستحيل تمثالا من ملح, ويضيع بصيص الأمل في أن ألقاك ِ يوما ما, في في مكان ما , تؤثثه صدفة ٌ ما...!
آه ٍ حبيبتي , كيفِ استطعتِ أن تطعنيني بالفراق, والى حتفكِ راضية مرضية تمضين...؟! بي شوق أن أتسسل عبر أسلاك هذا الهاتف كي أعبر الى فردوس الفل والرياحين, ,كي أتيقن أني ما زلتُ أجري في دمك , لأني لكِ ومنكِ ولغيركِ لن أكون.
طمئني الغريب أيا غريبة عن نبضِ الحبيبة!
ببطانيّة الوجد دثريني ...دثريني.. دثريني.



***


تمنيت لو يتحدث اليّ دونما انقطاع.
آه ٍ كم افتقدتُ هذا النبض !! آهٍ كم افتقدت دفء ابتسامته , وجهه الطاعن بالبراءة وكأن به وجه نبيّ.
ويل ٌ لي أنا الغريبة التي لم تملك يوما من الحبّ كفافَ يومها.
ويلٌ لي أنا الأنثى المشتهاة الملقاة في مزبلة الأيام.
ويلٌ لهذه الصدفة التي جمعت بيننا كلٌ على طرف آخر من أقطابِ العاطفة.
ويلٌ لي كيف سأقاومُ بعد اللحظة ضعف الأنثى وهي تواجه حبّا في نقاء حبات المطر.


***


اكتسح الأرقُ غاباتُ صوته وهو يردد:
حبيبتي! حنـــّايَّ ...
انفضي عنكِ هذا الصمت , قولي كلمة .
استجمعتُ وعيي , تنهدتُ , عدتُ عشرين سنة الى الخلف,
عدتُ وقضمتُ التفاحة الشهيّة:
فادي..!
سقطت السلاسل عن اوتاري الصوتيّة.
شرعتُ أغردُ :
! لو تدري كم افتقدني بك


***


قرعَ البابُ بعنف وصرخ صوت :
أين أنتِ؟ لم الباب مقفل.
ارتجفتُ كسنونوة فاجأها المطر.
هوت السماءُ وأطبقت على صدري.
حشرجَ صوتي في الهاتف:
زوجي!
وامتدت يدي فأغلقت نافذة الأمل .
فجأة اكتسح الظلام ارجاء المكان.
استقبلتُ عويله دونما احتجاج.
هرعتُ أجهز له وجبة طعام ساخنة. هايدي تتناول قرص منوّم بنهم.
ها يده تعبثُ بتوازني النفسي.
ها هو يشخر ولا يؤرقني سوى رائحة عرقهِ.
ها الوسادة تستقبل دموعي بصمت وتعدّ لي طبقا شهيا من الأحلام.



***


مع تغريد الطيور أستيقظ فأتسلل الى الجريدة.
تتثائب حروف الرواية:
طوبـــــى للغربــــــــاء
تدغدغني
آه أيتهاالمحتضرة في صقيع المنفى
أما كانت هذه الحروف نجمة أضاءت غربة الحبيب
فتلمس طريقه الى مذود احلامك.
تراه أخيرًا أتى ليكسر الفخّ وينجيك... !؟
آه ِ حنّة,
يا مرّة النفس يا حزينة
قد آن الأوانُ أن تتعزين
قد آنَ...!


***


رجف جسدي كعصفور تطاله يد صياد .
ها هو يهرول نازلا يتقدمه صراخه:
- لمَ لم توقظيني؟
ألم تلاحظي الوقت؟
أم أن هذه الجريدة أصابتك بلوثة جنون؟
قلتُ ببرود:
- خشيتُ أن أوقظك فتصرخ بي أنك تود أن ترتاح بعض الوقت
,فردَ السجادة الصغيرة أمامه وراح يركع, يقوم ويتمتم.
ويدي تسارع الى تجهيز قهوة الصباح.
جلس. أشعل لفافة. ببرود تمتم وهو يرتشف القهوة:
- لا تعرفي أن تجهزي سوى قهوة باردة؟
تؤلمني الطعنة
اتمسكُ بتوازني.
هيا,أيتّها الأرواح الشريرة!
غادري عشّ أحلامي.
لي موعد مؤجل مع الذاكرة.



***


أفتح النافذة وأطل على الصفصافة .
أتناول قسطا كبيرا من الهواء,
أترصد ذلك الهاتف الذي استحال ذات أمل الى منفذي للخلاص.
أنتظر..
تراه يتصل؟
تراه على حافة نافذة أخرى هناك ينتظر اللحظة الحاسمة ليصل الماضي بالحاضر فيزقزق المستقبل؟
تراني أنهض من قبري وأحيا ؟؟؟
أنتظر...
الانتظار صخبٌ مبعثه القلق
هكذا يُقال وهكذا أشعر الآن
فجأة...
يرتعش الهاتف
يتراقص النبض في عروقي
أهرع اليه
انتزع السماعة..
أنتظر عودته ...
كلّ النبوؤات تؤكد حتمية عودته.
أنتظر...
تراه يعود
أم ...!؟
يا لشقائي إن لم..


***


- حنـــّة
همسَ بحنان مفرط:
-ستبقين حبيبتي لغاية اخر نفس يخرج مني
ضغطتُ السماعة باتجاه أذني دون أن أدري.
آه كم كنت بحاجة الى صدره ألقي رأسي المتعب عليه فتتسلل أصابعه بين خصلات شعري الكستنائي, تعيدني طفلة تطارد قوس قزح.
ها هو يتلو عليّ اعترافه الأول وببراءة طفل عاشق يُقسِم:
-سأبقى خدامك لغاية ما اموت على بابك
حنّة, حنّة حنـــــــــ .....
استفقتُ على صوته يناديني
وقبل أن تتشكل الحروف على شفتيّ , ارتفع أزيزُ الهاتف, وغاب صوته خلف الحدائق, خلف المراكب والكواكب,
ف
ه
و
ي
ت
للتوّ في بئر الحيرة تلدغني أفاعى الانتظـــــــــار.


***


لا بدّ لحبة الحنطة أن تموت قبل أن تعود وتحيا.
قراتُ . بكيت. وضعت الكتاب جانبا . رفعت قلبي للرب وانتظرت أن يسرع في حمل همّي. ها الأيام تمرّ تباعًا وأنا اموت ببطئ كسمكة صغيرة لفظها بحرٌ فاستقرت فوق قطعة صخر.
أيا غريب تراك لا زلت تتلهف للحظة استعادة فردوسنا؟


***


يتسلل نور الصباح من شق الباب فأطرحُ الدثار جانبا وأسير بتثاقل نحو النافذة. يلفحُ برد تشرين وجهي. أغطي وجنتيّ بكلتي يديّ وأبحث بقلق عن الكروان الصغير على الصفصافة المجاورة.
لا أعثر له على أثر.
تراه يعود يوما ..؟
أم أنّه هاجر مع رفيقة حلم جديدة الى سواحل الحنان؟
نظرتُ حولي..
أرعبتني الفوضى ..
قررتُ أن أتجاهل ندائها الملحّ وأن أفرغ من أوجاع الذاكرة في أن أسكبها فوق الورق , لعلّ حبيبي يقرأها ويذكر أن ليلاه تحترق نهارا وليلآ.
انتفضتُ برعب والبابُ يُفتح على غير ميعاد.
دخل زوجي وجلس قبالتي .
حدّق بأوراقي.
ساورته الظنون.
أخفيتُ الأوراق بين دفتيّ كتاب وسألته برعب:
لم عدت من العمل باكرا؟
ظلَّ كالصندوق المغلق.
تراهُ عاد ليصطادني في لحظة حلم؟
ويل لي لو بادر الغريب بالاتصال هذي اللحظة.
شلّ الارتباكُ ملامح وجهي.
صرختُ برعب وجسدي يرتجف :
- ما بك, تكلم!
حشرج صوته:
الشركة-...
ساد الصمت .تابعَ بوهن:
- أعلنت افلاسها.


***


-الفصل الثاني-


غريبان التقينا, عاشقان افترقنا,
واتس.....عت المسافات بيننا .
هطل ثلج كانون وزمجر رعده
وما زلت انتظر ...
أتلوى كفراشة داخل علبة زجاجية..
كورقة شجر ملقاة بين دفتي كراسة تجفُّ عروقي! .
أنوح, وما من أذن تسمع .
لا يرأف لحالي سوى هذي الجدران الصامتة.
تملكتني نوبة بكاء حاد
. راحت الذاكرة تقذف شواطئي المستكينة بذكرى موجعة تلو الأخرى وأنا أنشج بوجع مبرح والعرق يتصبب من وجهي, وأغنية من المذياع في الحي تردد :
(يا ليل ما أطولك) .
تملكتني الرغبة في راحة من نوع آخر.
رحتُ أستعيدُ الذكريات الأكثر وجعا:
أرى أبي يعود المنزل فجرا وهو يترنح, تتذمر أمّي بغبائها المعتاد من سبب تأخره يصفعها, يتناول وجهها بين يديه ويضرب به الحائط.
يصفقُ أخي لرجولة أبي ويشتم أمي ويصرخ : روحي شوفي حالك في المرآة. انت عجوز وهو شباب أتركيه يتمتع بشبابه.
تفوح رائحة الخمر والنساء من حولنا.
يخمد عطر أمي .
زعيقُ سيارة الاسعاف يدوي في رأسي.
ماما ترحل بلا عودة.
أبي يرحل الى السجن.
وأبقى وحيدة...
أعمل في خدمة البيوت لعلي أشتري ثمن كتبي وأوراقي وأقلامي وأحلامي.
وحيدة أتيت الى هذا الكون الشرير,
وحيدة سأغادره,
أهوي...
أشعر بجفاف في حلقي.
بشرتي تتقلص كحبة برتقال لفحتها شمس حارقة.
ولا يعلق في رأسي الا دوي سيارة اسعاف تهرع بي الى المشفى .
تتملكني غيبوبة موجعة. أصحو وأعاود الغياب..
يتناهى الى سمعي صوت أختي .
بدا لي انهاتتشاجر مع الطبيب وهو يعلن باصرار :
في الصباح يجب أن يتم نقلها الى مشفى للأمراض العقلية .
من يُقدم على الانتحار هو في عرف القانون مختل عقليا.


***


أنوحُ, وما من نوح ٍ يرأف بي فينتشلني من عفونة الطوفان!
تطاردني لعنة لزجة وهو يقلّب الأوراق وبين الفترة والأخرى يطرح عليّ سؤالا آخر كي يصطاد كلّ تفاصيلي الصغيرة والكبيرة.
أشرح له بتواضع حمل ِ يُساقُ الى الأتون الملتهب أنّني كيان!!!
يرتفع صوتي وأنا أعلن له أنّي حاصلة على شهادتين جامعييتين وإني وإني..
ولا تشفع لي كل الأعذار . ها هو يحدجني من خلف نظاراته الطبيّة.
ها المقصلة تهوي فوق عنقي :

كل الأشياء تشي بجنونك!


***


يسكنني الجمود.
احترف صمتَ الإنكسار.
تقودني يدٌ الى رواق واسع . تصافحني الأسرّة المرتبة على جانبيه .
أنتقي لي سريرا قرب نافذة موصدة.
تتربص بي عيونٌ غريبة,تبدو لي أنّها منفيّة عن الدفء منذ دهر
لا هواء في هذا المكان..لا هواء!!
هراء ٌ كلّ ما أحيا. هراء.........!
طوبى لك أيتها الغريبة فانّك ِ ستتعزين
طوبى لخلّ اللحظة.
طوبى للصلبِ المبكر
طوبى لي حين أُلقى في بئر وتتمرغ الثعالب الصغيرة بثوبي الملوّن.
طوبى لطعم الكافور في حلقي.
طوبى لمن يطمعُ بحتفي.
أيها الغريب, تعال..انتشلني من عتمة قدري.
أيها الغريب تعال احضنّي بقسوة.
كن لي فُلكَ النجاة ِ
كن شمساً ولو خافتة تدفئ ما ستتمخض عنه الأيام من وجع!
عشّش في الذاكرة كي تمدني بالأمل في كلّ لحظة ضعف محتملة!
أيها الغريب عد,
لا تبتعدْ.
لم تعد غريبا وليلاكَ ترتعدُ احتضارًا في منفى العاطفة.



***


نقف في الطابور الصباحي في انتظار قرص الدواء. يتربص بي الرجل الواقف خلفي . يهمس لي في أذني:
- اياكِ أن تتناولي قرص المهدئ .ألقيه تحت حذائك وتظاهري أنكِ تناولتيه مع جرعة الماء التي ستقدمها لكِ الممرضة.
أبتسمُ بخبث.
ِشكرا لك أيها الملاك المباغت. شكرا ..لتعاطفك مع ما يعتريني من رعب.
اقف كتمثال منتظرة ان يدوس قرص الدواء برجله كما فعلت. نبتسم معا بخبث.
نسير معا وفجأة يغيب كالشمس عن أفقي دونما كلمة.
اعود لسريري.
اراقب زرقة السماء وأحلم بحبيبي.
أنتفض كمن مسّه تيار كهربائي.
أسمعُ صرخة رجل يقودونه الى جلسة كهربائية عنوة بسبب ثورة صمته.
أرتجفُ.
أقرر أن أحتفظ بهدوئي مهما كان الثمن كي لا يقودوني لتلك الغرفة المظلمة .
أحتاج اليه..
ليته هنا يكون لي ملجأ وسندا في أزمنة الضيق .
يا لمراري..!
تراه يتصل بي ولا يعثر لي على أثر ..؟!
ويل ٌ لي أنا اليتمية منذ الشهقة الأولى, أنا المنفية عن جزر الحنان, أنا المضروبة بالحزن والفواجع المتكررة.
ويل لك أيها الغريب, من أين لك بعد اليوم ان تهتدي الى مغارة الرعب هذي ...؟!!!! آه, حقًا, ما من شئ مرعب الا ما هو حقيقي!
ربّي ارحمني من أشواكِ هذي التجربة. لتعبر عنّي هذي الكأس أيّها السيد. لكن, ليس كما أشاء أنا بل كما تشاء أنت.



***


أنتِ تكرهين الرجال!
عنفتني الطبيبة النفسيّة. العيون تطاردني. كم أكره هذي الجلسة الصباحيّة حيث يطاردنا طاقم الأطباء باللعنات والشتائم.
أشعر أني أحقر من صرصار.
ها أنا أترنح , لكنّي أقاوم استفزازها المدروس لئلا أطرح في تلك الغرفة المظلمة فينال منّي مسّ كهربائيّ.
ألا يكفي أنّهم اكتشفوا أمر قرص الدواء فصاروا يراقبوننا بصرامة.
أشعر بوجع في أسفل ظهري. أتململ مكاني. تطاردني نغمة الحقد في صوتها الأجش:
انت تكرهين الرجال.
أسمع صدى أنيني:
من أين لكِ أنّي أكره الرجال وأنا عاشقة غجرية للرجل؟
يحدجني صديقي بنظرة تعاطف:
لا تأبهي لها. لعلها هي التي تكره الرجال...


***


ها هم يجرّونني الى صليبي المطروح ِ أرضًا. ها هم يدفعون هذا الجسد فوق الخشبة.ها أنا أرتدي اللعنة. ها يدٌ تضع السلاسل على معصميّ. ها يدٌ أخرى تضرب المسمار في كف يدي . أنزف. أصرخ الى الرب ..
فجأة,
أنهض.
قطراتُ العرق تبلل جبيني وتنحدر فوق وجنتيّ ترطّبُ عنقي.
أتحسسُ يديّ.
ما من أثر , ما من أثر..
كنتُ أهذي .
ككل فجر, أنهضٌ من كابوسي المتكرر متثاقلة الخطى أثر حبوب المهدئ القسري.
سرتُ الى المرحاض.
نظرتُ وجهي في المرآة. صافحني وجه أنثى أكل الهمُّ عليها وشرب.
كنتُ كليمونة معصورة ملقاة في سلة قمامة.
كرهتُ نفسي والآخرين..
اشتهيتُ حتفي.
أرعبتني الفكرة فما زلت أسعى للتحرر من هذا القبر رغم هذا الوهن الجسدي. ما زلتُ أقوم بتنظيف موائد النزلاء بعد وجبات الطعام. أتبرع يوميا لتنظيف الغرف , كي يقتنع الأطباء أني سويّة عقليًا .
ها الروتين اليومي يطعنني بألف خنجر من ملل.
بعد كل وجبة افطار قرص مهدئ, عمل يدوي يقضي على بقية ما في الأجساد من طاقة. لم أجد بعض لذة الا فترة الاستراحة حين يسمح لنا بالانطلاق حيث نشاء بين حدائق المكان فأهرع الى الصفصافة أختفي تحت ظلها وأحلم بحبيبي..
أحلم...
وأقتاتُ من كسرات خبز الذكرى.
وأنتظر...
وأنتظر ..........


***


أترنحُ على عتبة الردهة.
أشعر كأن صخرة ما هوت فجأة من صدري.
أكاد أختنق.
أرتجف رعبا.
أهرع الى الممرضة فتشرع بقياس ضغطي.
تطلب مني أن أمكث في السرير لأرتاح.
صار السرير ملجأي اليوميّ ..
ها يدي اليمنى ترتجف بنبض متزامن مع ارتجاف رجلي اليمنى على مدى الساعات ولا تستكين سوى مع هدأة الجسد..
ها العيونُ تلاحقني بنظرات الرحمة وأنا أصرخ الى الرب كي يرى ويدبر, يسمع صراخي ويستجيب..
ها الطعام لا يمرّ عبر حلقي. بتُّ عاطلة عن الأمل. ذوت خلايا رغبتي في البقاء..
طلبتُ من الرب أن يستعيد أمانته .
سمعتُ صوتا حنونا يهمس في أذني:
تعالي اليَّ أنا أريحك.
ذهبتُ في غفوة .
ضمّني الى صدره .
ربّتَ على كتفي.
مسّدَ شعري.
اختفيتُ تحت ستره ونلتُ قسطا وافرًا من الراحة.


***


مع اول شعاع شمس حزيران , استفقتُ على ابتسامة أختي.
كان وجهها البرئ مثقلا بالتعب. قبّلتني. بللت دموعها وجنتيّ. بحثتُ عن حبالي الصوتيّة. حشرج صوتي:
حرريني من هنا! أتوسل اليكِ حرريني.


***


تجمهر الأطباء من حولي. كنت شبه غائبة عن الوعي . تناهت الى سمعي بعض العبارت غير المترابطة. كانوا يكررون عبارة (القانون لا يسمح) وهي تصر على أنها مسؤولة عمّا سيجري.
اتوا ببعض الأوراق قامت بتوقيعها. حضنتني وهي تلفني بشال أبيض ورتلت بحنان :

تعالي نعود الى المنزل.


***


ها الفراشة ترقص في نار مأساتها, ها الفراشة تُولد من ذاتها...!
ها أنا اتأمل الأشجار والعصافير فوق الأسلاك دون أن أتألم.
ها أنفاسي تترقبُ عودة فارس الحكاية الى رحم الحبّ.
ها أنا أحمد الربّ على نعمة العودة الى مذبح الحياة.
لم يبق الا هنيهة للحظة الحاسمة بين انتظاري مصافحة الماضي وانشطاري.
أقتحمُ دفء منزل أختي مكللة بزغاريد ابنتها الصغيرة التي هرعت تقطف قبلاتها عن وجنتيّ أستكين كقطة قرب مدفأة.
تبادرني بسؤال:
- هل أجهز وجبة العشاء؟
ينتصبُ الصمت حاجزا شائكا بيني وبينها.
أردد السؤال أكثر من مرّة في دماغي قبل أن أنطق به:
- أين زوجي؟
تسارعُ الصغيرة بالاجابة:
- خالتي, عمو بعت لك ورقة طلاق
تضعُ الورقة في يدي.
لا أدري أابكي أم أضحك.
أهي ورقة حريتي أم طعنة في الظهر؟
أهو عشائي الأول على مائدة العتق من العبوديّة أم تُراهُ الأخير....!!!؟


***


-الفصل الثالث-


أزفُّني للبحر , للطائرات الورقيّة المرفرفة فوق خيوطها, لهدأة صباحي الأول ما بعد النكبة.
حبيبي, تعال نسترد من دار اليتامى حبّ رضع من ثديّّ جنوننا, ترعرع بيننا , انتقل الى طور المراهقة قبل أن انفصل عنك!
أيّهاالآب الرؤوف, ها انا اعترف : إنّي أقترفُ الحنينَ لرجل ٍ مختلف .
فلو كان الحبّ خطيئة , ليكفّ هذا القلب عن النبض.
أيّها السماويّ : أعدني الى صدر حبيبي فقد طالت غربتي , ولفظتني المنافي.
أيّها الغريب , عد أو أطلق يمامة العشق كي تأتيني بنبوؤة كونك في انتظاري.
في انتظاري...


***


ها أنا أسعى لأستردّ نبيذ حكاية ٍ تعتقت في خوابي العاطفة.
ها أنا اعود لمهد طفولتنا كي أبحث عنك.
أقرعُ الباب وأنتظر وتنتظر اللهفة معي.
تراكَ تطلّ الآن لتظللني بدفئك؟
تراني لا زلتُ بؤبؤ العين أم أنّ أنثى أخرى صادرتني من كريات دمّك؟
آه منها تلك الأجنبيّة , كانت دوما تثير غيرتي وهي تلاحقك بسهامها الناريّة.
وأنت تتوسلني أنّ أكفّ عن الغيرة الحمقاء لأن لا مكان لأنثى في دمك سوايّ.
هل الغيرة ضريبة الحبّ؟
يطلُّ وجه والدتك ولا تطلّ أنت . تستقبلني كما يستقبل بحر قطرات المطر.
أبحث عنك من حولي.
لا أثر يدلّ عليك!
لا عطر, لا لفافة تبغ, لا جريدة , لا شئ !
_ وين فادي يمّة؟!
يفضح السؤال ضعفي الأنثويّ.
تستفيق من وهن الشيخوخة وهي تنشج: فادي..آه ٍ يا ولدي......................ابتلعه البحر!
صرختُ :
ماذا...!؟ جاءت الطعنة في عمق القلب:
- فادي في المشفى يمة, اذهبي اليه قبل أن ينتقل.


***


آه حبيبي!
تطارني لعنة, كلما اجتهدت للوصول اليك.
أستقل سيرة أجرة وأتوسل للسائق أن يهرع بي الى مشفى المدينة.
ضجيج, ضجيج , يطارد خطواتي وأنا أنتقل من غرفة لأخرى أبحث عن وجهه بين الأسرّة.
ها هي الغرفة الثالثة.
أقترب ...
أترقب مطالعة ملامح وجهه .
أقترب أكثر.
تضيقُ المسافات بيننا .
ها هو مسجّى فوق السرير
فاقد الوعي .
يلهثُ بصعوبة..
قطرات عرق ساخنة تتساقط عن جبينه.
أمد يدي,
التقط يده .
من سرق دفء نبض حبيبي؟!
أشهق..!
من أسقاه الخلّ ..؟!
من ضرب خاصرته بحربة..؟
من دقّ المسامير في يديه ..؟
من علقه على خشبة..!؟

تلاحقني العيون من كل صوب
تلدغني الشفقة
تجلدني التمتمات الخفيّة:
مسكيـــــــــــن
صدمته سيارة فحلق عاليا ثمّ هوى أرضا
مسكين..مسكين..مسكين
طنين ...طنين.. طنين... طنين ...
والكثير من الأنين
تسقط يده من يدي.
أرفعُ عينيّ نحو السماء
يصرخ قلبي ولا يستكين :

لا ترحل حبيبي قبل ان ترفعني اليك





انتهت في 27 نوفمبر 2007


----------


سيرة ذاتية


ريتا عودة
شاعرة وقاصّة ومترجمة
من مواليد النـّاصرة
29-9-1960

* حاصلة على شهادة اللقب الأول في اللغة الانجليزية والأدب المقارن.
* تقوم بتدريس اللغة الانجليزية في المدرسة الثانوية البلدية في الناصرة.
* حصلت على المرتبة الأولى في مسابقة لكتابة قصيدة الهايكو على مستوى العالم.
* حصلت على المرتبة الأولى في مسابقة "الهيجا" على مستوى العالم.
* تملك موقعا على الشبكة الإلكترونية: http://ritaodeh.blogspot.com
* تمت ترجمة نصوصها إلى العديد من اللغات عبر شبكة الإنترنيت.

صدر لها :
(الضغط على اسم الديوان ينقلك الى الديوان)



ثورة على الصّمت-1994
1994 - وزارة الثقافة والمعارف- الناصرة


*مرايا الوهم
1998- المدرسة الثانوية البلدية –الناصرة


*يوميات غجرية عاشقة
2001 – دار الحضارة – القاهرة


* ومن لا يعرف ريتا
2003- دار الحضارة – القاهرة


*قبل الإختناق بدمعة
2004 - دار الحضارة – القاهرة


*سأحاولكِ مرّة أخرى
بيت الشعر الفلسطيني - رام الله- 2008


*أنا جنونك-مجموعة قصصيّة
بيت الشعر الفلسطيني - رام الله- 2009





مجموعات الكترونيّة:

بنفسجُ الغربـــَة 2008-رواية قصيرة

طوبى للغرباء-رواية قصيرة-2007

سيمفونية العودة 2010-رواية





SIGN MY GUESTBOOK
رأيـــُكَ يـَهمـُّــنــــِي


ليست هناك تعليقات: