الثلاثاء، 21 يوليو 2009

ديوان: " يوميات غجرية عاشقة " لريتا عودة - عرض تركي عامر



أَمـِيرَةُ حِبْرٍ نَظِيف
" يوميات غجرية عاشقة "
تركي عامر



فِي زَمَنٍ اخْتَلَطَتْ فِيهِ الأَوْرَاق، تَأْتِينَا كَمَا الْحَفِيفُ أَمـِيرَةُ حِبْرٍ نَظِيف، قَرَأْنَاهَا، بـِدَايَةً، "ثَوْرَةً عَلَى الصَّمْتِ" عَارِمَة، وَمـِنْ ثُمَّ فِي "مَرَايَا الْوَهْمِ" شَاعِرَةً حَالِمَة، وَهَا هـِيَ فِي مَجْمُوعَتِهَا الْجَدِيدَة، "يوميات غجرية عاشقة "، أَوْهَجُ اشْتعَالاً وَأَنْضَجُ اشْتِغَالاً بِأَشْيَاءِ الْقَصِيدَة وَكَأَنِّي بـِهَا تُحَوِّلُ الشِّعْرَ إِلَى هَمِّهَا الأَوْحَدِ وَهَاجـِسِهَا الدَّائِم.
لَمْ تَتَوَقَّفْ، فِي كُلِّ مَا تَكْتُبُهُ مـِنْ قَصِيدَةٍ أَوْ قِصَّةٍ أَوْ خَاطِرَة، عِنْدَ الْعَادِيِّ الرَّمَادِيِّ مـِنَ الْمَوْضُوعَاتِ السَّائِغَةِ السَّائِرَة، بَلْ حَلَّقَتْ فِي مَا يَتَعَدَّى ذلِكَ إِلَى أَمْدَاءَ بَعِيدَةٍ بـِرِيشَةٍ سَابـِرَة، وَسِلاَحُهَا رُؤْيَةٌ ثَاقـِبَةٌ وَرُؤْيَا ثَائـِرَة.
رِيتَا عُودِة، شَاعِرَةٌ اسْتِثْنَائِيَّةٌ، تَمْتَلِكُ طَاقَةً إِبْدَاعِيَّةً خَلاَّقَةً فَوْقَ الْعَادَة، تُمَكِّنُهَا مِنْ تَحْوِيلِ كُلِّ مَا تَقَعُ عَلَيْهِ أَصَابـِعُ رُوحِهَا إِلَى مَادَّةٍ شِعْرِيَّةٍ طَاغِيَةِ الدَّهْشَةِ.. بَاهِرَةِ الْفَرَادَة. إِنَّهَا امْرَأَةٌ ثَائِرَة.. قَبْلَ أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً شَاعِرَة. ثَائِرَةٌ عَلَى سُلاَلَةٍ مُحَنَّطَةٍ مِنْ قِيَمٍ وَمُعْتَقَدَاتٍ وَتَقَالِيدَ وَعَادَاتٍ صَارِمَة.. تُقَفِّصُ الْمَرْأَةَ وَتُهَمِّشُهَا جَاعِلَةً مـِنْهَا "شَيْئًا" تَابِعًا لِلآلَةِ "الرُّجُولِيَّةِ" الْحَاكِمَة.
قَصِيدَةُ رِيتَا عُودِة، قَصِيدَةُ نَثْرٍ جَرِيئَةٌ فِي حُقُولٍ مـِنَ الشَّوْكِ حَافِيَة، تَتَهَادَى عَلَى الرِّيحِ الَّذِي تَحْتَهُ قَلَقٌ عَارِيَة، لِتُوقِظَ شَمْسَ حُلُمٍ تَحْتَ الْجَلِيدِ غَافِيَة. قَصِيدَةُ نَثْرٍ مُؤْمـِنَةٌ بَعَفَوِيَّتِهَا الْمُبَاغِتَة، كَافِرَةٌ بِأَبْقَارِ الْوَزْنِ وَالْقَافِيَةِ الْمُقَدَّسَةِ الْمُتَهَافِتَة. تُشَرِّعُ نَوَافِذَهَا عَلَى جَمِيعِ جِهَاتِ الْوَمِيض، تَارِكَةً شَعْرَهَا فَرِيسَةً لِلرِّيحِ وَالشَّمْسِ وَالْمَطَر. لاَ تُمَشِّطُهُ بِمـِشْطِ أُمِّهَا الْعَرِيض. تَذْرُعُ غَيْرَ الْمَأْلُوفِ مِنْ حُقُولِ الأَلْغَامٍ غَيْرَ آبِهَةٍ لاحْتِمَالاَتِ الْخَطَر.
قَصِيدَةُ نَثْرٍ عَرَبِيَّةٌ مُتَفَائِلَة، رَغْمَ الْحُكْمِ بِالإِعْدَامِ عَلَى خَلْفِيَّةِ مَا يُسَمَّى "شَرَفِ الْعَائِلَة"، خَارِجَةٌ عَلَى قَوَانِينِ الْقَبِيلَة، مُفْضِيَةٌ إِلَى بَهَاءَاتِ فَضَاءَاتٍ قَصِيَّةٍ جَمِيلَة.
تَضَعُنَا مَجْمُوعَةُ "يوميات غجرية عاشقة"، بِحِبْرِهَا الْفَاتِكِ وَوَرَقِهَا الْجَارِح، أَمَامَ شَاعِرَةٍ مُتَمَيِّزَةٍ مُخْتَلِفَةِ الْمَلاَمِح، ذَاتِ مَوْهـِبَةٍ نَاضِجَةٍ.. وَثَقَافَةٍ غَنِيَّة.. وَتَجْرِبَةٍ أَصِيلَة، تُفَاجِئُنَا بِسُطُوعِ صِدْقِهَا الصَّاعِقِ وَدَوِيِّ جُرْأَتِهَا النَّبِيلَة.
تَتَمَيَّزُ قَصَائِدُ رِيتَا عُودِة، فِي هذِهِ الْمَجْمُوعَةِ كَمَا فِي سَابِقَتَيْهَا، بِدَرَجَةٍ عَالِيَةٍ مـِنَ الِتَّكْثِيفِ الْوَاضِحِ الْغَامِض. أَيْ أَنَّهَا تَبْدُو، لأَوَّلِ مُلاَمَسَةٍ عَابـِرَة، وَاضِحَةً إِلَى حَدِّ الْمُبَاشَرَة. غَيْرَ أَنَّهَا، فِي قِرَاءَةٍ ثَانِيَةٍ مُتَأَنِّيَةٍ سَابـِرَة، تَتَكَشَّفُ عَنْ قَلِيلِ غُمُوضٍ يُفَرِّحُ قَلْبَ الْقَارِئ. وَأَخِيرًا، أَتَمَنَّى عَلَى الصَّدِيقَة الشَّاعِرَة ريتا عودة.. دَوَامَ الإِصْرَارِ عَلَى احْتِرَافِ الْفَرَادَة. فَعَلَى بَرَكَةِ الْحِبْرِ إِلَى حَيْثُ الْحُلْمُ سِيرِي، وَإِلَى حَيْثُ الشَّمْسُ تُعَشِّشُ فِي الأُفْقِ طِيرِي!





تركي عامر
شاعر فلسطيني
حرفيش، 3 أيلول 1999





ملاحظة:
كـتـبـت هـذه الـمداخـلـة لـتـصـديـر مـجـمـوعـة ثـالـثـّة لـلـشـّاعـرة، صـدرت فـي مـا بـعـد فـي الـقـاهـرة، غـيـر أنّ الشاعرة قررت في اللحظة الأخيرة أنّ كلماتها وحدها هي أفضل بطاقة عبور لقلب القارئ

ليست هناك تعليقات: