الأربعاء، 6 مايو 2015

ندوة الخليل الثقافية تستضيف الكاتبة ريتا عودة




ندوة الخليل الثقافية تستضيف الكاتبة ريتا عودة

حظيت الندوة الثقافية في مدينة الخليل وبرعاية وزارة الثقافة بشرف استقبال الكاتبة الفلسطينية ابنة الناصرة ريتا عودة الحاصلة على المرتبة الثالثة في مسابقة الهايكو العالمية للعام 2015 لنقاش كتابيها "أنا جنونك" و"سأحاولك مرة أخرى."
وتم استقبال الكاتبة وزوجها السيد يارد عودة إضافة إلى الكاتبة نائلة إبراهيم وزوجها السيد محمد عمارة في قاعة مركز إسعاد الطفولة في الخليل. حيث رحبت السيدة هدى عابدين ممثلة مكتب وزارة الثقافة في الخليل بالأديبة وضيوفها، وشددت على أهمية التواصل الثقافي والأدبي بين أدباء الداخل الفلسطيني المحتل ونظرائهم من الضفة الغربية المحتلة لما لذلك من إسهامات في تشجيع الحركة الثقافية الفلسطينية.
وأدار اللقاء الكاتب الشاب أحمد الحرباوي ، وقدم كل من فاطمة حوامدة ، وخولة سالم ، والمهندس رشاد العرب، و وفاء ابريوش، و دعاء عليان ، و شروق صافي وفوزية النتشة ، وسناء المحتسب وملاك مقبل ياسمين الحداد قراءات أدبية تطرقوا من خلالها إلى خصوصية وجمالية أدب الكاتبة الضيفة .
وبعد اللقاء، اصطحب عدد من أعضاء الندوة الثقافية الضيوف في جولة في مدينة الخليل تم خلالها زيارة مقر محافظة الخليل ، حيث كان في استقبالهم .السيدة أماني أبو سنينة - مسؤولة الأنشطة الشبابية في المحافظة - التي رحبت بالضيوف وأكدت باسم المحافظة على سعادتها باستقبال الضيوف الذين أعربوا أيضا عن سعادتهم الغامرة بزيارة محافظة الخليل ، وتم خلال اللقاء تكريم الكاتبة ريتا عودة باسم محافظ الخليل السيد كامل احميد. وبعد ذلك توجه الضيوف برفقة أعضاء الندوة الثقافية إلى مصنع الزجاج والخزف في الخليل والذي يعطي ملخصًا لتاريخ المدينة الحافل المتجذر، وهناك تم تقديم هدايا تذكارية خليلية الصنع للضيوف.
وفي نهاية اليوم الثقافي المميز والحافل بالأحاديث الأدبية والثقافية ، ودعت الخليل ضيوفها الذين عادوا بأجسادهم إلى مدنهم ، وبقيت اللحظات الأدبية الراقية محفورة في ذاكرة كل من حضر اللقاء.
القراءة الاولى قدمتها الكاتبة فوزية النتشة حيث قالت:
مر وقتٌ طويل لم أقرأ نصوصاً تأخذني إلى عالم ٍ من الجمالِ و الدهشة كما فعل ديوان "سأحاولكِ مرةً أخرى " للشاعرة ريتا عودة , فكل حرفٍ من حروفها له مدلوله و معناه المتفرد بقوة البلاغة و البيان , فتتكلم الكلماتُ مفصحةً عن صوت الأنثى بكل حالتها و انفعالاتها و مشاعرها المختلفة, هي صوت الأنثى الصادق حد اليقين .
بدأت الشاعرة بوصفٍ للمجموعةِ لَخَصَ المحتوى بذكاءٍ جميلٍ لقلم يدرك قيمة ما يملكُ من إبداع ,حيث كانت العبارة الأولى في مطلع الديوان " قبل ارتكاب الشهد بقليل " و ذلك قبل أن يقدم الشاعر محمد حلمي الرِّيشة هذا التقديم الشامل الأنيق للمجموعة .
و أقول عند ارتكاب الشهد يذوب داخلنا جمال الكلمات , كقطعة سكرٍ بل أحلى ,لأنه مذاق لا ينتهي بانتهاء حالة التذوق بل تستمر مكونة بداخلنا حديقة من معاني المعاني ,جالبةً للروح جمالها التي تشتهي , فالشهد حلوٌ مفيد كلما تناولناه زادنا معافاه و جمال .
و أنا الآن أتناول منه على مهلٍ تسع عشرة قصيدة هي عالم متحركٌ من الجمال التصويري و اللغوي و إبداعاً في تناول اللغة , و أربع عشرة ومضة تزيدنا إصراراُ على تناول الشهد المصفى الذي يأخذنا إلى لغةٍ تصيبنا بمتعةٍ قريبة من الإبهار .
فجاء الإهداء إلى اللغة التي لا نستطع التنبؤ باحتمالاتها فهي كالعود إذا نقرنا على أحد أوتاره رنت جميع الأوتار و خفقت ,وهي التي تحرك في أعماق النفس , موكباً من العواطف و الصور , و يأتي العنوان سأحاولكِ (بكسر الكاف )مرةً بل و مرات ,فاللغة حتماً لن تكف عن المباغتة باحتمالاتها , و نلاحظ تأنيث العنوان برغم جميع المفردات و النصوص التي جاءت بصيغة المخاطب المذكر و خصوصاً النص الذي يحمل عنوان الديوان حيث جاء بفتح الكاف .
و يحتوي الدايون الذي اعتمد شكل قصيدة النثر الكثير من الصور و التشبيه , و التناص القرآني و الإنجيلي ,و الأحاديث و منها :
"حين على عرش النعمة استوى" تناص قرآني
"أيتها الذاكرة برداً وسلاماً كوني على قلب أنثى " تناص قرآني
"في غيابةِ جُبّ الغياب ألقيتني " تناص قرآني
"مع الريح يأتي كالبشارة " تناص إنجيلي
"تراه بالزيت يُعمّدُ حروف الحكاية " تناص إنجيلي
أما مع الحديث الشريف
"سيكون للروح التي مع أشباه الظلال تنافرت فاختلقت "

و من الملفت في هذه النصوص قراءة مفردات لم تكن متوقعة لدى القارئ في سياق النص ,مثل :
"حاصرني من شرقي إلى شوقي........فهوى شمالي على جنوني " 34
"إكرام الحزن دفنه" 82
"فانشطر قوس أيامي ... عن قزح أحلامي " 59

*الاستعانة بقصص حقيقية مثل قصة يونس عليه السلام
"ينتفض يونس من جوف العتمة "72
قصة يوسف عليه السلام "حين في غيابة جب الغياب ألقيتني أنا التي قتلت الذئب كي أحيا "
و الاستعانة بشخصيات تاريخية مثل الولادة , سقراط , غادة و أخرى أسطورية مثل :
هيرا زوجة زيوس و قد امتازت شخصيتها بكونها ملكية مهيبة
إيزيس هي ربة القمر و الأمومة عند قدماء المصريين
عشتار إلهة الحب و الجمال و التضحية عند البابليين
شهرزاد زوجة شهريار في حكايات ألف ليلة و ليلة
و قد جمعتهم الشاعرة في نص لا تقصص رؤياك على أحد .. حين يأخذها الحنين إلى مملكة الحلم وتروي لهم رؤياها فيتبعثر و يصير أمنية أو أغنية ضائعة أو عداءً و أحجية .
*أما الحروف المتقطعة أسلوب أعتمدته الشاعرة لتزيدنا تأثراً بوقع الكلمات و لنتنفسها حرفا ً حرفا ً و من النصوص التي أعجبتي" معمودية القلق " في قولها :
"سيدي و أنت تؤمم قلبك ترفق
بالأنثى التي آمنت بأقانيمك الثلاثة , فكنت لها الشاعر و العاشق و كنت الروح .. "
و من المعروف أن التأميم يكون عاماً و يشترك فيه جميع الناس .

"أنا كيان "
نعود إلى عشتار و جلجامش و عصر الفرسان ...
فتعلن الشاعرة أنها كيان متفرد بكرامة و عنفوان لا ند لها .. والتي تمردت على الرتابة
و من جمال إلى جمال إلى تلك الومضات التي تُيقظ فينا شعور من السعادة ..
"لأرتقي أٌثبّت أنظاري إلى القمم "22
"تراني أكون حبة رمل في سجل اللاتي عبرن بحرك و كان الحبر أبقى و كان الحلم أنقى "44
"كن لي المطر لا المظلة "
"فتنة الجبال شموخها "
" أبحث عنك تبحث عني كخطين متوازيين لا أحد يود أن يتكسر"79
"كنتَ النبي الذي اشترى و يهُوذا الذي باع "61
أخيراً.. ما كانت هذه القراءة سوى إضاءة سريعة على مجمل الديوان و لو أردت التعمق سأكتب قراءة في كل نص فما أوفيته حقه الذي يستحق
شكراً لكِ أيتها المبدعة ريتا .. على كل هذا الجمال
و حقاً ....
"في الشعرِ ,,, ما خفي َكان أعذبَ "
و "أن الكتابة ... فعل بقاء "




أما فاطمة حوامدة فقد كتبت :

سأحاولكِ مرة اخرى ..
هذا الكتاب يستبيح كل القوى المكبوتة في الذات لتنهض من غفوتها .. فهو يصلح لعلاج نفسي روحاني يعمل على أنتشال القارىء من كومة احباطاته ليجد قوته السلبية تحولت لقوة دافعة.. نحو حياة لا تغيب عنها شمس الامل والارادة ..
سأبدأ قراءتي بالعنوان .. العنوان الذي دائما مايحمل تصور عن مضمون الكتاب ,, لكنه بالنسبة لي حمل لغزا معينا .. ساحاولكِ مرة أخرى .. عبارة على لسان ذكوري موجه الى انثى ولكن هنا تكتبه انثى موجه الى ذكر .. وبين حركة الكاف في عنوان الديوان والحركة المخالفة في نص أخذ نفس التسمية يكمن سر الحكاية .. وهنا تقف علامة الاستفهام مصطحبة معها علامة أخرى لتعجب لهذه الحالة و التي ربما كانت لغاية في نفس الكاتبة .. ؟!
أما صورة الغلاف .. فهي وجهين لذكر وانثى تتقارب شفتيهما و تتداخل ملامح كل منهما بالمزج بين اللونين الأبيض والأسود كاشارة ربما لاكتمال الاثنين معا .. فيكمل الوجه الأبيض وجهه الأخر بالأسود وحتى لا ابتعد عن مضمون الفكرة لن أفلسف الامور أكثر فهي بالمختصر المفيد تُشكل توحد الروح مع نقيضها فتصبح كتلة انسانية واحدة يميزها ارتباطها الوثيق ولو اختلفت في العقائد او العادات او التقاليد او الصفات او التفاصيل الداخلية في تكوين كل منهما وربما جمالها الحقيقي يكمن في أنها جمعت بين ندين مختلفين ..
هذا الديوان او مجموعة الشعريات الفلسطينية كما تم تسميتها هي من نوع الشعر النثري او القصائد النثرية .. جاءت بلغة قوية ومعاني عذبة واسلوب بلاغي متقن وسلاسة جميلة ومدهشة في طرح الأفكار وبلورتها بأسلوب فلسفي انساني وما يدور في نفس الكاتبة ..
اعتمدت الكاتبة أكثر من اسلوب او ركيزة في هذا الديوان كالبلاغة ..
والتناص القرآني والانجيلي والتوارة .. وايضا التناص الشعري ..
استدعاء شخصيات مشهورة وتاريخية واستحضار كائنات خرافية واسطورية ,, واستخدام مصطلحات دارجة تحدث بشكل اعتيادي كجزء من الروتين اليومي .. ومثال ذلك " أما أنا فأجدني خارج نطاق تغطية العاطفة "
تطويع الكلمات من القرآن او من الطبيعة او من أحداث أو من كائنات أخرى او من موروثات تراثية لخدمة النص او الفكرة ودمجها مع صور أدبية رائعة الجمال .. وهذا إن دل على شي فهو يدل على قدرة الكاتبة الابداعية والمامها بالكتب السماوية وثقافتها العالية في اطلاعها على كل ماتم ذكره او استدعاؤه في ديوانها هذا ..
بعض أفكار الكاتبة إن لم تكن أغلبها مستمدة من قوة ذاتية وثقة عالية ومن ايمانها العميق في التشبث بالأمل والارادة مهما كانت الظروف قاهرة .. أما مزج الكتاب بين القصائد والومضات فكان موفق جدا فالومضات كانت كفسحة يرتشفها القارىء على مهله بعد كل قصيدة لا يتمكن من هضم دهشتها ببساطة ..
فبعض الومضات جاءت بوزن وموسيقى شعرية جميلة ومؤثرة ومثال صـــ52ـــــفحة..
ولن أغفل عن الرمزية في هذا الديوان فبعضها جاءت ضبابية عميقة تحتاج لتعمق القارىء لفهمها .. وبعضها جاء برمزية واضحة ومعبرة ..

أجمل ما قد يلحظه القارىء المدرك لأمور الحياة وتجاربها أن اغلب القصائد والومضات تنتهي بحكمة او نهاية لها وقع مؤثر في النفس .. وربما عمقها هو سر جمالها وترسيخها في الذاكرة ..
كما أن لغرابة العناوين وقوة معناها دور في شد القارىء وتحفيزه على اكتشاف النص ومضمونه بشغف .. تاركة على السطر الأخير ومضة جميلة وهادفة .. "كــ معمودية القلق " "وسفر القيامة " وغيرها ..
ومن الجدير ذكره أيضا ان هناك قوة داخلية مكنونة في هذا الديوان في بعض النصوص حتى في وداعة الفكرة التي حملت صورة غزالة .. ومهادنة الأنثى المستاسدة التي تستأنس بعذوبة الزئير .. كما أنها استعانت بأكثر من مدلول لايصال الفكرة .. فمرة تجدها تقمصت شخصية ملك , ومرة غزال ومرة حبة قمح ومرة اخرى شجرة وغيرها الكثير الكثير سواء في شخوص معينة او حيوانات تاريخية كحصان طروادة مثلا او نبات تفوح رائحة عطرة كغصن نعنع تدلى من مخيلة الكاتبة وترجمت رائحته العطرة بصور وسطور مدهشة ..
فتنوع الصور الشعرية يحمل وعي ثقافيا أدبيا وحسيا ايضا يشوق المتلقي لملاحقة الفكرة بخيالها الجامح حتى السطر الأخير ..
رغم أن بعض العبارات تكررت في اكثر من نص.. ربما هو مأخذ لا يحبذه النقاد في تكرار ذات الجمل او العبارات .. لكن ربما هي للتأكيد على الفكرة التي تسعى اليها الكاتبة ..
وأخيرا أهم مافي هذا الديوان أنه لا يكاد يخلو من نص يحمل ارادة وامل وعزة وكبرياء ورفض الظلم والضعف بكل اشكاله .. حتى فكرة الدموع واشعال الشموع هو مصدر قوة تظهر واضحة وجلية وهي استمداد لفلسفة عميقة يقينية وقناعات شخصية لصاحبة هذا الديوان وما يميزها من تحدي وتخطي كل ما يستدعي الى الحزن والأسى ..
همستي الأخيرة قد تكون همسة عتب أن الديوان يحمل اسم شعريات فلسطينية لكني وجدته يرتكز على الشعر الوجداني دون غيره فلماذا يحمل هذه التسمية وهو يكاد يخلو من تضمين أي دلالة مكانية او زمانية او أي شيء يدل على فلسطينيته ..
أنا لا اقصد الطعن في انتمائك لاسيما كانت رائحة النعنع وحقول العوسج تأخذني لرائحة البلاد .. ولكن لو لم أكن فلسطينية فهل يستدل أحد غيري يقرأ بعمق أن هناك مايدل على وطني الجريح في نثريات فلسطينية .. !!




أما الشاعر رشاد العرب فقد عقب على الديوان بشكل مقتضب فكتب :

سأحاول أن أكتب ما شاهدت وحاولي أن تصدقيني يا ريتا ، في البداية كان العنوان شاعريا رائعا يحمل الكثير ويحمل تساؤلا يحق لكل قارئ أن يسأله ، ماذا ستحاول ريتا هذه المرة؟
لقد وجدت الشعر ضائعا والنثر يسكن مقلتي نصك، واللوحات بها بعض التكلف والتأثر بالغرب واضح، ولكنَّ الحق يُقال بسلامة اللغة وكثافة الصور وجمالها ، ولكنَّ المجموعة الشعرية وبين الضياع الحاصل بين النثر الموزون والوزن المنثور وجدت نفسي على مفترق طرق لشخص لا يعرف قوانين السير وأولوية العبور.
بعض المقاطع أشبه بمقاطع الهايكو العالمية، وهي لعبتك ، وبعضها موزون ولكن على غير اعتماد البحور التي نعرفها ولن أخوض في هذا المجال فأصبحت قصيدة النثر اليوم لها عالمها مع إيماني الكامل بأنّ من يكتبها قلة وهذه القلة هي صفوة من صفوة الصفوة وجهابذة الشعر.
النصوص مختلفة الأفكار، عديدة المسالك ، لكنها تحمل نفس الصياغة الحرة وتحمل فكرا يدل على وعي الكاتبة ونضوجها وهذا يُحسب للكاتبة ، وهنا لا أقول إلا هذا نتاج أدبي مشغول عليه بعناية ولكني أصدق القول بميولي للقصص أكثر من هذا بكثير.
كما قدم اعضاء من الندوة قراءات في المجموعة القصصية "أنا جنونك " حيث توزعت على النحو التالي: فقد استهلت القراءات الكاتبة دعاء عليان حيث قالت : "في القلب ثلاثُ ورقات ، ورقة للأمل ، وأخرى للألم، أما الثالثة فما زالت تحمل بياضها" هذا ما قالته الكاتبة ريتا عودة في "محكومون بالأمل". لأجل ذلك ، سمحت لنفسي بأن أفسد بياض الثالثة الخاصة بي بأن أخط عليها قراءتي الانطباعية لكتاب "أنا جنونك".
"أنا جنونك" .. عنوان يوحي بغير قليل من العزة والكبرياء التي تتجسد على هيئة أنثى . كبرياء جعلها تثق بنفسها إلى الحد الذي يجعلها تخاطب "الآخر" بكل أنفة وشموخ، وهو ذاته الكبرياء الذي تبحث عنه القارئة العربية الواعية المدركة ليكمّل ما لديها منه ، أو يعمقه في نفسها التواقة للتجديد والحياة الكريمة.
"أنا جنونك" قصص قصيرة بكلماتها ، غزيرة بأفكارها ، عظيمة بمعانيها. وهي انعكاسات لحالات أنثوية ، وصراعاتٌ تمر بها على المستويات الشخصية والاجتماعية والمجتمعية. ورأيت فيها كذلك نصائح من شأنها أن تقود إلى حياة أفضل لقارئها المتمعن المتمكن. وهي أيضًا فرصة للاطلاع على أشكال منسية أو متَجاهَلة للعلاقة بين الرجل والمرأة ،والرجل والأنثى.
في كل قصة قرأتها وجدت شيئًا جديدا يستحق القراءة والتمعن ، وبين ثنايا الكلمات وجدت أشياء تلامسني كأنثى شرقية تعتبر نفسها أو يعتبرها الآخرون من اللواتي يغردن خارج السرب. وإني لأشكرك يا ريتا لأنك جعلتني أشعر مجددًا بأنني لست حالة منفردة ولا فريدة، وإن كنت كذلك فللأفضل وبالأفضل.
كثيرات هنّ اللواتي يرغبن في الحصول على أشياء يراها الآخرون عادية أو أقل . أشياء يعتبرنها من المستحيل ، ورغم ذلك يصعدن سلم الحلم الذي يرسمنه لأنفسهن في محاولة منهن لرسم البسمة على شفاههن. ولكن "ليس كل ما يتمنى المرء يدركه"، فكثيرًا ما يأتي من يحرك هذا السلم أو ينفث نجاسته لينهار أرضًا هو وكل الأحلام المتعلقة به ، وحينها لا تكفي كل بصقات الدنيا "أعزكم الله" للتخفيف من عذابات الروح وآهاتها ، تمامًا كما حصل مع تلك التي أرادت ابتياع الفستان الأحمر لنفسها.
أما الزواج، والذي تراه الغالبية العظمى من الأولويات، فيحدث وأن يتحول إلى صورة معلقة مهترئة على جدران صامتة وآسرة لكل معاني الحياة. جدران تمنع حتى صدى الصوت من الانتشار، فينسى ساكنوها أنهم أحياء. وما وراء هذه الجدران، أحلام صغيرة،، صغيرة جدّا، أبسطها الحق في الحياة.
هذه الجدران تضم أجسادًا تريد "عاطفة صادقة"، فقط ، وتستصرخ أولئك الذين يعيبهم التعبير عن مشاعرهم أني ها هنا، فرفقًا بي بربكم. ولي صوت فأنصتوا له أرجوكم. وإذا ما ذهبنا إلى ما وراء النص قليلًا ، واستذكرنا حالات لأولئك اللواتي كتب في بطاقاتهن الشخصية كلمة متزوجة محاولين البحث عن نسبة الصمت في حياتهن، لوجدنا ما يندى له الجبين.
والأضواء الحمراء في وطني كثيرة، ما يختلف فقط هو قدرتنا على تجاوزها وتخطيها إلى حيث نريد.و ما يلزم للقيام بذلك هو شيء من التمرد الممزوج بالتحدي والإرادة، ربما لإثبات الذات، وربما لقتل ذلك الشيء الممل الذي يسمى روتين، والذي يقتل معاني التجدد شيئًا فشيئًا.
والواقع السياسي حاضر بقوة في بعض القصص كما هو حاضر في الحياة اليومية للفلسطينيين. ففي "أرض البرتقال" ، تثير الكاتبة تساؤلات وتناقضات مستوحاة من المعاناة الفلسطينية . ومن ذلك تساؤلها عن العلاقة بين الدين والحجارة ، وحديثها عن التناقض الذي يحصل عندما تفرض على الفلسطينيين هجرة داخل وطنهم في ما يسمى "عيد الغفران". فكيف يجتمع الغفران والظلم، هذا ما لا أعرفه!
ومما يرتبط بالواقع السياسي الفلسطيني "المخيم". ذلك الحيز المكاني الصغير بمساحته ، الممتد بما يحمله من قصص وحكايات لبشر يستحقون الحياة.
ومما تجدر الإشارة إليه فيما يتعلق بالمخيم ورمزيته في الأدب الفلسطيني وأدب المقاومة هو أن المخيم ليس مجرد مسرح للبؤس والشقاء، بل هو أيضًا مكان للحياة ومعاني البقاء.
وتطرقت الكاتبة أيضًا لمنع التجول ، ذلك الحصار اللامحكوم بزمن ولا بقواعد أخلاقية ولا إنسانية، والذي يذهب ضحيته الكثيرون لتبقى أصداء أوجاعهم تحلق في فضاءات الوطن المكلوم.
أما الربط بين المرأة والوطن فهو موضوع يتكرر في الكثير من القصائد والنصوص الأدبية على اختلاف لغاتها . ولكن الجميل حقًا في "أنا جنونك" هو تلك الجمالية والخصوصية المستقاة من الواقع الفلسطيني بأدق تفاصيله ، كما الشتات.
و قصة "أنا جنونك" حكاية أخرى ، أراها تربعت على عرش الجمال الأدبي والإنساني والتميز اللغوي ، ولأجل ذلك فهي تستحق بكل جدارة أن تسمى المجموعة القصصية باسمها. هي قصة سلطت الضوء على صراعات تعيشها أنثى كلها طموح وكبرياء. أنثى رأيت فيها من ملامحي الكثير الكثير .
ومما راق لي في هذه القصة هو تلك العبارات التي تلخص فلسفتي في الحياة . أنا كأنثى شرقية تعيش في مجتمع شرقي ، وفلسفة يبغضها البعض لأنه يرى فيها تمردًا على شيء يعتقدون بحتمية الإيمان به والخضوع له. و من أمثلة تلك العبارات التي أحببت: " أنا في انتظار أمير ليس له وجود إلا في خيالي." و "الغبي ! متى يدرك أنه ليس جملة اعتراضية في رواية عشقي، بل هو العنوان" وقولها : الحب فكرة لا تتحقق" و "احصلي على اكتفائك العاطفي من ذاتك". أعتقد ان هذه العبارات تعني لي ولكل أنثى الكثير، ولا يشترط ارتباطها بشخص بحد ذاته لتعني ما تعنيه.
ولأنه مجتمع عشائري تقليدي وإن أنكرنا ، فإن للتناقضات حضورها، خاصة عندما يتعلق الأمر بامرأة. حينها يجتمع الجميع لإصدار الحكم أو تنفيذه ، ثم يعود كل واحد إلى تجارته أو خمارته كما تقول الكاتبة ، لتبقى الضحية وحيدة دونما منقذ.
فنص " وقد لا يأتي" يعكس صورة للواقع الملغوم الذي يعيشه الكثيرون في هذا العالم، واقع يفرض على الضحية إما الصمت والاستسلام، أو الموت لتصبح مجرد جثمان. وفي كلتا الحالتين هي ميتة. واختُتِمَ "وقد لا يأتي" بسؤال من تلك الأسئلة المعلقة التي تبرز كل يوم ، فتقول الكاتبة: (متى يأتي نيسان؟ متى يزهر اللوز والليمون والبرتقال ؟ متى ترقص الفراشات الحالمة حول قناديل العشاق؟ متى ؟ متى؟)
كما واستخدمت الكاتبة عبارات تدل على نمطية التفكير الشرقي أو فانقل بعض معالمه كما في قولها : " اطردي شبحها قبل أن يمر بك القطار" و "صرخ بي أن أصمت صونًا لكرامتي". وهنا أتساءل: منذ متى كان الصمت صونًا للكرامة ؟
ومما أكدت عليه الكاتبة في "أنا جنونك" هو أن هناك دائما قطرة مطر تنزل حين جفاف وحين يأس، وذلك حين يظن المرء أن القحل حتمي. جاء هذا في "قطرة مطر" ، هذه القصة التي حملت سؤالا طالما تردد على ألسنة الكثيرين بصيغ مختلفة ، وذلك عندما قالت: ( متى تتلون أحلام البؤساء؟)
وهي ذاتها التي جاءت للقارئ بسؤال آخر حين قالت: (كيف تحط العصافير فوق طبق القلب إذا كانت الأرض غارقة في الطوفان؟)
وجاءت قصة "أنثى الظل" لتسلط الضوء على ظاهرة تفتك شيئًا فشيئًا بالنسيج الاجتماعي، الا وهي الهجرة بحثًا عن فرص عمل يأمل من خلالها المهاجرون بتوفير حياة كريمة وتحقيق أحلامهم. والنتيجة النهائية غالبا ما تكون فراق ودموع وغياب.
وللعلاقة بين الرجل والمرأة والرجل والأنثى بكافة أشكالها حضورها في "أنا جنونك". حيث تطرقت الكاتبة إلى العديد من القضايا والمواضيع المنبثقة عن هذه العلاقة على اختلاف أشكالها ، فتعرضت لهموم باتت تؤرق الطرفين ، وأحلام ما زالت تنتظر الاكتمال. وعكست الكاتبة من خلال ما كتبت حالات نفسية واجتماعية للطرفين، ومنها على سبيل المثال لا الحصر التعرض لموضوع ال"أنا" وال"أنا العليا" التي تنعكس من خلال تصرفات الشخصيات في هذه القصص.
أما لغة الكتاب فجاءت سلسة سهلة بحيث يمكن لكل قارئ أن يستمتع بها ويغوصَ في أعماق النصوص متأملا تارة وباحثًا تارة أخرى. واستخدمت الكاتبة بعض العبارات بالعامية المحكية لتناسب السياق الذي وضعت فيه أحيانًا ولتبين دلالات المعنى أحيانًا أخرى ، ومن ذلك قولها : " طاح المطر على الطين، الله يسلم فلسطين" وقولها "قالوا في الأخبار إنهم رح يعملوا لنا ترانسفير".
كما وأوردت الكاتبة أيضًا بعض الأقوال والأمثال والحكم والنصائح ، بعضها متوارث وبعضها الآخر ولد على يد قلمها . وهذه العبارات لا تخلو في مجملها من التشبيهات والمحسنات البديعية ومن ذلك : " قد آن الأوان أن نحاصر حصارنا" و " ما أسهل أن تكون ظالما في مجتمع لا يعترف إلا بمنطق البقاء للأقوى ، وما أصعب أن تصبر حتى يعجز الصبر عن صبرك" و "الوجع سمكة قرش تنهش القلب" و "ليست الحكمة أن تعرف الطريق ، بل أن تمشي فيه."
وكما دومًا، هناك أسئلة تبقى معلقةً تبحث عن إجابات رغم سهولتها الممتنعة، ومنها :" كيف أضع رأسكم في الوحل وأنا أسعى لرباط مقدس؟" وكذلك " تهجر وطنك لأجل دينار؟"
ولئلا تمتلئ ورقة قلبي الثالثة وتختفي منها الفراغات، أخصص زاوية منها لألخص قراءتي ل "أنا جنونك" بأنه واقع كتبته أنثى لتخبر قارئيه بأن على الأرض من يستحقنَ الحياة.




أما الاديبة وفاء بريويش فقد كتبت :

أنا جنونك عنوان لمجموعة قصصية يحرّضك على البحث عن جنية تستتر بحُجب الكلام و الصورة الفنية و الرمز .. و تزج بك دون سابق تحذير إلى عمق العمق و تطلقك كسنونو قد يواجه الربيع أو القفص أو الموت .. تمتاز القصة لدى ريتا عودة بتكامل عناصرها الفنية .. و تسليط الضوء على القضايا الإنسانية و الوطنية .. و الأنثى بتفاصيل معاناتها و آمالها و التي جعلت من حلمها مادة أساسية لرؤيتها و الانطلاق إلى فضاءات الحرية و التخلص من كل ما هو أرضي و معرقل للحركة الفكرية و الظل لبعض بطلات القصص مثل : " حلم آخر " ص35 أو " أبعد من أن تطالني يد "ص84 ..
تؤطر الكاتبة لنظرياتها الخاصة المتعلقة بالذات و الآخر بملامحها الفلسفية و النفسية .. فهي تحمل هما كونيا يتضح بتعدد شخصيات قصصها و تنوعها على اختلاف معتقداتها و جنسها و تطلعاتها و عقدها تقول "
ص18 " فراغ . مجرد فراغ يفصل بي البشر ،مجرد مسافات لا يمكن اجتيازها "
أو في قصة " المسمار" ص 62 التي تحكي عن البعد الداخلي للوجع الذي ينبع من الذات و يظنه الإنسان من تكالب الظروف الخارجية عليه ..
و ناصحة في حين آخر " احصلي على اكتفائك العاطفي من ذاتك "
الرمزية لدى ريتا ليست مجازفة .. بل خطة مدروسة لاستثارة ذهن القارئ و تحفيزه و فتح نوافذ التجلي أمامه و حرية الاختيار .. هي تستضيفك حتى نهاية القصة و بعدها تجد نفسك على بحر حيفا أو أمام إشارة حمراء .. أو هواجس عاشقة أو مأساة وطن .. لا يمكنك المكوث في مكان القصة الواحد رغم أرضيته الصلبة .. ستنطلق كسنونو أو كغزال يلتقط رزقه من بئر المعنى أو مسرح الفكرة كيف شاء و ما استطاع أن يحمل في جعبته دون قيود .
تميزت الكاتبة بإدارة المونولوج لشخصياتها بما يكتنفها من صراع بين الأنا الوجدانية و الأنا المنطقية ينتهي في أغلبه بانتصار الأنا العاشقة دون أي اعتبار لأي تحذير قد يطلقه غور النفس العقلانية .. كما اتضح جليا في العنوان الرئيس للمجموعة في قصة " أنا جنونك " .. أو قد تدمج حوارين داخليين بتماهٍ مدهش و بتركيز عال. ريتا تقترف العمق و تنثر الحقائق بذكاء و حرص كما في قصة " أنثى الظل" ص67. أو أنثى الحرائق ص 86.
أحببت استعراض الكاتبة للديانات الثلاث مذ بدء القصص بعيد الغفران اليهودي في قصة "أرض البرتقال " أو نشيد الملائكة في الميلاد المجيد " الأرض حب و في العلى مسرّة " ص96 حتى الاستلهام من النص القرآني لسورة التكوير ص70. في الختام القراءة للكاتبة ريتا ترجمة واقعية لمعاناة وطن وقع تحت نير الاحتلال و إنسان لبث زمنا طويلاً رهن المعتقدات البالية .. أو العاطفة بسموها و قلقها و غيابها و بعثراتها .. " أنا جنونك " هو إهداء للفكر و الخيال الإنساني بكل تجليات الجنون الثوري العاقل .




وفي تعقيب للشاعر رشاد العرب قال :

العنوان يحمل في طياته العاطفة، ويوهمك بالحب، ويصدر عن بيت الشعر الفلسطيني فتحسبه قصيدا فتجده قصصا محاكةً بذكاء صاغتها أنامل فلسطينية بحنكة فنسجت لنا لوحات من وطن تستحق الخلود. مجموعة قصصية تحمل في طياتها الكثير ، لغتها سليمة منقحة، وأفكارها منطقية واقعية ورائعة، صياغتها جميلة، وسردها لا يعرف الملل ، وهذا يُحسب للكاتبة ويرفع من شأنها لدى قارئها، وهنا أرفع قبعةً لكِ ريتا عودة. لقد كان ميولي كل ميولي لهذه القصص ووجدت العمق والأدب لدى كاتبنا أكثر منها في مجموعتها سأحاول مرةً أخرى، فالعمق والصياغة واللغة والوطن اجتمعت في مجموعة قصصية تستحق القراءة. جلُّ القراءات تحمل عبق الماضي ورائحة الوطن ، وتحملك إلى أن تعشق وطنك وتجنَّ فيه، ولهذا كانت القصص تستحق الوقوف عليها كثيرا.
أبارك لكِ مجموعتكِ وأهنئك على هذه القدرة الرائعة وأتمنى لكِ مزيداً من التقدم والنجاح.




ثم تابعت الكاتبة ياسمين الحداد وقالت :

أنا جنونك (مجموعة قصصية) .
للكاتبة الفسطينية (ريتا عودة) ابنة مدينة الناصرة ..
تنوعت قصص الكاتبة فب الحب والوطن (وجعه وفرحه) ، (فب القرب والبعد)
نسجت الكاتبة الحروف كــحورية فاتنة ، ذهبنا معها بخيالنا إلى البحر بصفاءه
وخرجنا من بين مسحاتها الخضراء من حيث كنا ، ولم نعد إلا محملين بعبق البلاد
وزهورها وياسمينها الأبيض .

و هنا لي بعض الوقفات الصغيرة في بعض هذه المحطات المدهشة :


أكثر ما شدني هذه الفقرة في قصة عودة النورس صفحة (34)
حبنا ولد في العتمة ، ليس له مكان تحت الشمس .
-لا يا حبيبتي ! نحن من نصنع أحلامنا .
- ولكنك تدرك أنه الحب المستحيل .
- حبيبتي ، يا مطراَ يأتي بالعصافير الصغيرة والزنابق والثمر المنتظر . هات يدك .
صمت . رحلت نظراته نحو الأفق . فجأة ارتفع صوته كالنشيد الوطني :
- قد آن الآوان نحاصر حصارنا .

• حبٌ لا يولد بالنور لا يدوم .. فلسفة الحب هنا كالوطن
تبدأ كبيرة ثم تتلاشلى وتموت .


- وقد لا يأتي .
الفقرة الأخيرة صفحة (51)
فجأة تزلزت الأرض . تشققت الصخور والقبور تفتحت . صرخة ثالثة بصوت عظيم قبل أن اسلم الروح :
- يما ، متى يأتي نيسان ؟ متى يزهر اللوز والليمون والبرتقال ؟ متى ترقص الفراشات الحالمة حول قناديل العشاق ؟
- متى ؟ متى ؟

• وهكذا يموت الحب قبل أن يعيش في بلادنا ويقتل برصاص القهر والجهل ويذبل اللوز والبرتقال !!


- ومات البلبل وحيداً .

صفحة (75)
" ولا بد يوماً أن تكسر كل الأقفاص لتحيا الطيور في الفضاء الرحب حرةً طليقة كما كتب لها منذ بدأ الخليقة لا بد ... لا بد ! "

• حكاية وطن ومخيم وسماء ممتلئة بالبلابل ستضيء بالأمل والوعود
بالعودة قريباَ إن شاء الله .


_ أنثى الحرائق .

هي حكاية كل أنثى :
كل كاتبة تخرج من نصوصها تحيي أبطالها ، ثم تقتلهم حتى تتخلص
من عقدة الحب والذنب معاً ..
تتسلل من بين السطور لتخفي جنونها وتصرخ ..
ثم تعود تعزف حروفها على أوراقها البيضاء ...


- شغب الأسئلة

صفحة (98) .
أنا اكتب كي أكون .
- هذا هو القلق الإيجابي الذي يسير أشرعة النص .
- فعلاً .
- وهل تمتلكين ألا تكتبي ؟
- لا خيار لي في أن أكتب أو لا اكتب
- لم
- الكتابة تفرض حضورها وشروطها ومخاضها علي . تسيرني وتأسرني ، وتتملك كل حواسي إلى أن يولد النص .
• وهنا وجدت إجابةً لكل التي تحاصرني لماذا أكتب ؟ هي حقاً كل حواسي وتكتبني قبل أن أقرر ماذا أكتب !
وهي : موهبة من الله كي أفرغ وجعي وفرحي بثمانية وعشرين حرفاً أبجدياً ..

صغارُ نحن جانب هذا الكم الكبير من الجمال والأناقة والإبداع ...
كما حظيت المجموعة قراءة للكاتبة سناء المحتسب فقالت:


"أنا جنونك "
بين نزيف الوطن وتشريد المواطنين من أراضيهم رأيت السماء تسود حزنا بين غيومها لتحتضن فلسطين بأوجاعها ، مساندة لها في جرح دائم الخضرة بالشهداء وأرواحهم العطرة وكانت تزداد حزناً على زمن يسير دون أن يقف العدوان الصهيوني على فلسطين وأزقتها :-
فأرض البرتقال: بقيت ْ وحيدةً بعد تهجير أبناء فلسطين من بيوتهم ، وهجرتهم من أماكن سكنهم ، ليذهبون إلى اللامأوى واللازمان ...
والحواجز العسكرية ومنع التجوال " قصة ليست قصيرة" فهذه الحواجز تمنع الحياة من استمرارها حيث يتعذب المرضى الفلسطينيين بأوجاعهم دون شفاء وعلاج منها ، لتهوي أرواحهم مسافرة إلى السماء ، دون وصولهم المشافي ، فتكون نهاية المريض ارتداء السروال الأبيض ، وهناك من يتبعه أيضا في ارتداءه .
أما في "الحلم الأخير "فهو حلم يراود كل فلسطيني بتحرير وطنه من أيادي الاحتلال المغتصب ، فطائرة خالد كانت تحمل ألوان العلم الفلسطيني حيث جسدت الأراضي الفلسطينية المحتلة وخالد حارب الطفل المحتل والمدعي بأن الطائرة له كما يدعي الاحتلال بأن الأراضي الفلسطينية له ، وفوق ذلك الادعاء الكاذب يأخذون أراضينا ويعتدون علينا !!!!
فبعد هذا الواقع المرير من الأوجاع والدماء والشهداء كم هو جميل ذلك البعد إلى اللاحرب واللاأوجاع ، دون معاناة الجوع والمحاربة المريرة لأجل لقمة عيش عالقة بأعلى الأشجار التي تغلفها الأسلاك الشائكة بالاحتلال لفقدها قبل الوصول إليها ، فلأجل هذا الواقع الأليم نحتاج سفراً إلى وهمٍ سالمٍ ليكون "حلماً آخر " .
أما في "أميرة الحكاية " وجدت بها معنى للمثل الذي قال :- " الباب اللي بيجيك منه ريح سده واستريح " . حيث قامت الأميرة المجنونة بنزع نخلة الشكوك من جذورها وألقتها بعيداً عنها لتعيش بسلام ٍ دون شكوكها من تلك النخلة .
"أنا جنونك" تحدثت الكاتبة عن الكلمات التي تغري أي أنثى ، وغيرها من العبارات المخدرة التي تدخل الأذن لتصل إلى القلب فيغب وعيه ولا يرى سوى الدلال والعشق من رجل ٍ كاذبٍ تقنص بارودته بكلمات ٍ زائفة . وجدت في "إصرار " معنى " يا مأمن الرجال مثل اللي مأمن المي بالغربال " . حيث أمنت الأميرة الصرصار على نفسها وأسكتت الصوت الذي بداخلها ، بأن الصرصار حشرة مثيرة للاشمئزاز ، فاقتربت منه لتجد لسعة الغدر مختومة على صدرها حيث أخذت فيما بعد بتارها منه وألقت به جثة على الأرض .
وفي" انتظاره " قرأت الجزء الثاني من قصة " ليلى والذئب " ومع الأيام تاب الذئب الماكر ، فدموع ليلى على وفاة جدتها بسببه ، جعلته يندم ويعالج نفسه من قذارة المكر ، موقظاً بنفسه الإنسان الرءوف الذي بداخله ليحيى بلا مكر .
وأخيرا راقت لي جدا جملة "يكفيني فخراً أن أكون قد تمكنت من التعبير عن موقف ما ولو مرة منذ أدركت كوني أحيا في وطن مغتصب " ص. 23 في" الضوء الأحمر "




أما الكاتبة ملاك مقبل فقالت :

انا جنونك:مجموعة من القصص الوردية الفلسطينية ذات الواقع المؤلم , شيدت هذه المجموعة الرائعة بغلاف متين تتضمن مئة وثماني وردات تختلف من موسم الى موسم وتعايش الفصول كما هي وتصبر,, تحمل على أغصانها الكثير من البتلات الناضجة حرفا ورونقا ومتانة وحياة و تاريخا كاملا لا ينوء الكاتب عن شد الوقت لكتابته ..

كل فصل من فصول هذا البستان يكتسي بالكثير من الاوجاع والكثير من سموم المحتل الذي يقف كالاشواك على اغصان الورد يقتل حضوره يقف عائقا في كل شيء فلسطيني يحبس الهواء في زنزانة اليأس ويعصم الحياة عن عيون الكثيرين والعابرين ويقيد صبر المكلومين بحبال القوانين التي ينوء هو نفسه عن المُضي بها .. يُكتف بها أوصال الحياة كمن لا أحد يراه ..

كل وردة من وردات هذا البستان تحمل الكثير من أوجاع المكلومين اللذين تُقطف أحلامهم عبر السنين صمتا وقهرا وعهرا ,, هذه الارض تمطرها السماء بالدم حينا والشهداء حينا وبالامل حينا والاحلام حينا والحب حينا آخر ,,, بتلات الجوري يبللها ندى العمر بصبر يعجز العربي الحر عن تحمله " فلسطين أرض الكنانة , أرض العابرين فوق الارض , أرض البرتقال والزيتون والزعتر , أرض الياسمين والجوري أرض الحب الروحي الذي ينسال من جنبات الاوجاع والحرب , ملونة أحلامنا بالأمل بدعاء خفي تحمينا عيون الله ما دام فينا كل هذا الصبر على كل هذا الشقاء ..

كالفراشة تنقلت على كل الورد ورأيت طهارة الشوراع في حيفا وانارتها على الجوانب وشممت عطرها المنتشر كم كانت نظيفة الا من مخلفات وقاذورات وعد بلفور وما تبعه من مآسي وتشتت ولجوء ,, تاتهت أنظاري بين الورد واختبأت في حضن الانسانية وبكيت ! فأحلامنا الصغيرة وان أسميتها ب " أحلامنا الانسانية" ستكون أدق تفصيلا, فالحياة الزوجية كالوردة الجورية ان اهتممت بها ورويتها بماء قلبك نمت بجذور قوية وصلبه وتشرق كما أنت تريد لها أن تشرق فيها راحتك سكينتك طمأنيتك وان نمت على جذوعها الشوك لن تجرحك ستنثر لك عبير عطرها في مساء يملؤه الحب وان اهملتها وحيدة بلا اعتناء بلا ماء بلا حب بلا حياة ستخون ثقتك في أن تنمو وحدها وستذبل , ستهرم أمام ناظريك , في الحياة نحن من نختار سعادتنا فلنبحث عن ما يليق بنا وبحياتنا بعيدا عن المعتقدات والمبادئ التي لا أساس لها سوى قتل الانسانية وقطف الوردة دون ادراك ووعي ,, وأبصرت حلم فتاة بفستانها الاحمر تشبه الجوري الذي يملؤه حياء البتلات وأشواك الواقع المر ,, مررت بإحدى الوردات التي ترطب وجنتيها دموع أم شهيد إحتضنت رائحته وعطره وملبسه وحلمه وقبلت قبر يأسها بالدموع ,, عبرت الى الوردة الجافة في زاوية الروح دون ان أعتذر للضوء الاحمر واخترقت القانون المنسي الا عني !! مضيت في ساحة الفراغ مللت الوجع مللت الذل مللت أن "لا أكون "!! وأنا لا زلت على قيد الحلم على قيد الارض قيد فلسطين ,, مررت على حب البرتقال هناك شددت الوقت وعصمت عينيه عن المضي نحو السراب وقيدت كلتا يديه عن هرولة الايام الماضية فينا كالسيف تقطع أوصالنا كلما مر,, ها نحن نمضي بخذلان عربي مطبق خمسة وستون عاما لا نكل ولا زال مفتاح الباب معلق في اعناقنا الى ان نعود ,, أمطرت السماء واستظللت بحلم يقف في منتصف اليأس ويكتسي بالامل فبين اليأس والامل حلم واحد ,, عابرون تحت السماء وفوق الارض الا من احلامنا الملونة بقوس القزح وآمالنا أفراحنا على قيد الايام الى ان تتحقق بحب بحياة بالحرية .

ريتا الجميلة كنت الوردة التي كشفت الكثير من الوقائع المؤلمة بين بتلاتك الرقيقة المشيدة بالوجع والالام والامل والحياة وكنت الفراشة التي انتقلت في بستانك ,, كنت أنثى النص الابجدي المليء بالامل والحياة كنت استثناء الاستثناء بين الابجدية التي يمتلكها الكاتب .. لا زال عطرك يفوح أرجاء روحي ..

كما قدم اعضاء من الندوة قراءات في المجموعة القصصية "أنا جنونك " حيث توزعت على النحو التالي: فقد استهلت القراءات الكاتبة دعاء عليان حيث قالت : "في القلب ثلاثُ ورقات ، ورقة للأمل ، وأخرى للألم، أما الثالثة فما زالت تحمل بياضها" هذا ما قالته الكاتبة ريتا عودة في "محكومون بالأمل". لأجل ذلك ، سمحت لنفسي بأن أفسد بياض الثالثة الخاصة بي بأن أخط عليها قراءتي الانطباعية لكتاب "أنا جنونك".

"أنا جنونك" .. عنوان يوحي بغير قليل من العزة والكبرياء التي تتجسد على هيئة أنثى . كبرياء جعلها تثق بنفسها إلى الحد الذي يجعلها تخاطب "الآخر" بكل أنفة وشموخ، وهو ذاته الكبرياء الذي تبحث عنه القارئة العربية الواعية المدركة ليكمّل ما لديها منه ، أو يعمقه في نفسها التواقة للتجديد والحياة الكريمة.

"أنا جنونك" قصص قصيرة بكلماتها ، غزيرة بأفكارها ، عظيمة بمعانيها. وهي انعكاسات لحالات أنثوية ، وصراعاتٌ تمر بها على المستويات الشخصية والاجتماعية والمجتمعية. ورأيت فيها كذلك نصائح من شأنها أن تقود إلى حياة أفضل لقارئها المتمعن المتمكن. وهي أيضًا فرصة للاطلاع على أشكال منسية أو متَجاهَلة للعلاقة بين الرجل والمرأة ،والرجل والأنثى.

في كل قصة قرأتها وجدت شيئًا جديدا يستحق القراءة والتمعن ، وبين ثنايا الكلمات وجدت أشياء تلامسني كأنثى شرقية تعتبر نفسها أو يعتبرها الآخرون من اللواتي يغردن خارج السرب. وإني لأشكرك يا ريتا لأنك جعلتني أشعر مجددًا بأنني لست حالة منفردة ولا فريدة، وإن كنت كذلك فللأفضل وبالأفضل.

كثيرات هنّ اللواتي يرغبن في الحصول على أشياء يراها الآخرون عادية أو أقل . أشياء يعتبرنها من المستحيل ، ورغم ذلك يصعدن سلم الحلم الذي يرسمنه لأنفسهن في محاولة منهن لرسم البسمة على شفاههن. ولكن "ليس كل ما يتمنى المرء يدركه"، فكثيرًا ما يأتي من يحرك هذا السلم أو ينفث نجاسته لينهار أرضًا هو وكل الأحلام المتعلقة به ، وحينها لا تكفي كل بصقات الدنيا "أعزكم الله" للتخفيف من عذابات الروح وآهاتها ، تمامًا كما حصل مع تلك التي أرادت ابتياع الفستان الأحمر لنفسها. أما الزواج، والذي تراه الغالبية العظمى من الأولويات، فيحدث وأن يتحول إلى صورة معلقة مهترئة على جدران صامتة وآسرة لكل معاني الحياة. جدران تمنع حتى صدى الصوت من الانتشار، فينسى ساكنوها أنهم أحياء. وما وراء هذه الجدران، أحلام صغيرة،، صغيرة جدّا، أبسطها الحق في الحياة.

هذه الجدران تضم أجسادًا تريد "عاطفة صادقة"، فقط ، وتستصرخ أولئك الذين يعيبهم التعبير عن مشاعرهم أني ها هنا، فرفقًا بي بربكم. ولي صوت فأنصتوا له أرجوكم. وإذا ما ذهبنا إلى ما وراء النص قليلًا ، واستذكرنا حالات لأولئك اللواتي كتب في بطاقاتهن الشخصية كلمة متزوجة محاولين البحث عن نسبة الصمت في حياتهن، لوجدنا ما يندى له الجبين.

والأضواء الحمراء في وطني كثيرة، ما يختلف فقط هو قدرتنا على تجاوزها وتخطيها إلى حيث نريد.و ما يلزم للقيام بذلك هو شيء من التمرد الممزوج بالتحدي والإرادة، ربما لإثبات الذات، وربما لقتل ذلك الشيء الممل الذي يسمى روتين، والذي يقتل معاني التجدد شيئًا فشيئًا.

والواقع السياسي حاضر بقوة في بعض القصص كما هو حاضر في الحياة اليومية للفلسطينيين. ففي "أرض البرتقال" ، تثير الكاتبة تساؤلات وتناقضات مستوحاة من المعاناة الفلسطينية . ومن ذلك تساؤلها عن العلاقة بين الدين والحجارة ، وحديثها عن التناقض الذي يحصل عندما تفرض على الفلسطينيين هجرة داخل وطنهم في ما يسمى "عيد الغفران". فكيف يجتمع الغفران والظلم، هذا ما لا أعرفه!

ومما يرتبط بالواقع السياسي الفلسطيني "المخيم". ذلك الحيز المكاني الصغير بمساحته ، الممتد بما يحمله من قصص وحكايات لبشر يستحقون الحياة.
ومما تجدر الإشارة إليه فيما يتعلق بالمخيم ورمزيته في الأدب الفلسطيني وأدب المقاومة هو أن المخيم ليس مجرد مسرح للبؤس والشقاء، بل هو أيضًا مكان للحياة ومعاني البقاء.

وتطرقت الكاتبة أيضًا لمنع التجول ، ذلك الحصار اللامحكوم بزمن ولا بقواعد أخلاقية ولا إنسانية، والذي يذهب ضحيته الكثيرون لتبقى أصداء أوجاعهم تحلق في فضاءات الوطن المكلوم.

أما الربط بين المرأة والوطن فهو موضوع يتكرر في الكثير من القصائد والنصوص الأدبية على اختلاف لغاتها . ولكن الجميل حقًا في "أنا جنونك" هو تلك الجمالية والخصوصية المستقاة من الواقع الفلسطيني بأدق تفاصيله ، كما الشتات.

و قصة "أنا جنونك" حكاية أخرى ، أراها تربعت على عرش الجمال الأدبي والإنساني والتميز اللغوي ، ولأجل ذلك فهي تستحق بكل جدارة أن تسمى المجموعة القصصية باسمها. هي قصة سلطت الضوء على صراعات تعيشها أنثى كلها طموح وكبرياء. أنثى رأيت فيها من ملامحي الكثير الكثير .

ومما راق لي في هذه القصة هو تلك العبارات التي تلخص فلسفتي في الحياة . أنا كأنثى شرقية تعيش في مجتمع شرقي ، وفلسفة يبغضها البعض لأنه يرى فيها تمردًا على شيء يعتقدون بحتمية الإيمان به والخضوع له. و من أمثلة تلك العبارات التي أحببت: " أنا في انتظار أمير ليس له وجود إلا في خيالي." و "الغبي ! متى يدرك أنه ليس جملة اعتراضية في رواية عشقي، بل هو العنوان" وقولها : الحب فكرة لا تتحقق" و "احصلي على اكتفائك العاطفي من ذاتك". أعتقد ان هذه العبارات تعني لي ولكل أنثى الكثير، ولا يشترط ارتباطها بشخص بحد ذاته لتعني ما تعنيه.

ولأنه مجتمع عشائري تقليدي وإن أنكرنا ، فإن للتناقضات حضورها، خاصة عندما يتعلق الأمر بامرأة. حينها يجتمع الجميع لإصدار الحكم أو تنفيذه ، ثم يعود كل واحد إلى تجارته أو خمارته كما تقول الكاتبة ، لتبقى الضحية وحيدة دونما منقذ.

فنص " وقد لا يأتي" يعكس صورة للواقع الملغوم الذي يعيشه الكثيرون في هذا العالم، واقع يفرض على الضحية إما الصمت والاستسلام، أو الموت لتصبح مجرد جثمان. وفي كلتا الحالتين هي ميتة. واختُتِمَ "وقد لا يأتي" بسؤال من تلك الأسئلة المعلقة التي تبرز كل يوم ، فتقول الكاتبة: (متى يأتي نيسان؟ متى يزهر اللوز والليمون والبرتقال ؟ متى ترقص الفراشات الحالمة حول قناديل العشاق؟ متى ؟ متى؟)

كما واستخدمت الكاتبة عبارات تدل على نمطية التفكير الشرقي أو فانقل بعض معالمه كما في قولها : " اطردي شبحها قبل أن يمر بك القطار" و "صرخ بي أن أصمت صونًا لكرامتي". وهنا أتساءل: منذ متى كان الصمت صونًا للكرامة ؟

ومما أكدت عليه الكاتبة في "أنا جنونك" هو أن هناك دائما قطرة مطر تنزل حين جفاف وحين يأس، وذلك حين يظن المرء أن القحل حتمي. جاء هذا في "قطرة مطر" ، هذه القصة التي حملت سؤالا طالما تردد على ألسنة الكثيرين بصيغ مختلفة ، وذلك عندما قالت: ( متى تتلون أحلام البؤساء؟)
وهي ذاتها التي جاءت للقارئ بسؤال آخر حين قالت: (كيف تحط العصافير فوق طبق القلب إذا كانت الأرض غارقة في الطوفان؟)

وجاءت قصة "أنثى الظل" لتسلط الضوء على ظاهرة تفتك شيئًا فشيئًا بالنسيج الاجتماعي، الا وهي الهجرة بحثًا عن فرص عمل يأمل من خلالها المهاجرون بتوفير حياة كريمة وتحقيق أحلامهم. والنتيجة النهائية غالبا ما تكون فراق ودموع وغياب.

وللعلاقة بين الرجل والمرأة والرجل والأنثى بكافة أشكالها حضورها في "أنا جنونك". حيث تطرقت الكاتبة إلى العديد من القضايا والمواضيع المنبثقة عن هذه العلاقة على اختلاف أشكالها ، فتعرضت لهموم باتت تؤرق الطرفين ، وأحلام ما زالت تنتظر الاكتمال. وعكست الكاتبة من خلال ما كتبت حالات نفسية واجتماعية للطرفين، ومنها على سبيل المثال لا الحصر التعرض لموضوع ال"أنا" وال"أنا العليا" التي تنعكس من خلال تصرفات الشخصيات في هذه القصص.

أما لغة الكتاب فجاءت سلسة سهلة بحيث يمكن لكل قارئ أن يستمتع بها ويغوصَ في أعماق النصوص متأملا تارة وباحثًا تارة أخرى. واستخدمت الكاتبة بعض العبارات بالعامية المحكية لتناسب السياق الذي وضعت فيه أحيانًا ولتبين دلالات المعنى أحيانًا أخرى ، ومن ذلك قولها : " طاح المطر على الطين، الله يسلم فلسطين" وقولها "قالوا في الأخبار إنهم رح يعملوا لنا ترانسفير".

كما وأوردت الكاتبة أيضًا بعض الأقوال والأمثال والحكم والنصائح ، بعضها متوارث وبعضها الآخر ولد على يد قلمها . وهذه العبارات لا تخلو في مجملها من التشبيهات والمحسنات البديعية ومن ذلك : " قد آن الأوان أن نحاصر حصارنا" و " ما أسهل أن تكون ظالما في مجتمع لا يعترف إلا بمنطق البقاء للأقوى ، وما أصعب أن تصبر حتى يعجز الصبر عن صبرك" و "الوجع سمكة قرش تنهش القلب" و "ليست الحكمة أن تعرف الطريق ، بل أن تمشي فيه."

وكما دومًا، هناك أسئلة تبقى معلقةً تبحث عن إجابات رغم سهولتها الممتنعة، ومنها :" كيف أضع رأسكم في الوحل وأنا أسعى لرباط مقدس؟" وكذلك " تهجر وطنك لأجل دينار؟"

ولئلا تمتلئ ورقة قلبي الثالثة وتختفي منها الفراغات، أخصص زاوية منها لألخص قراءتي ل "أنا جنونك" بأنه واقع كتبته أنثى لتخبر قارئيه بأن على الأرض من يستحقنَ الحياة.




أما الاديبة وفاء بريويش فقد كتبت :

أنا جنونك عنوان لمجموعة قصصية يحرّضك على البحث عن جنية تستتر بحُجب الكلام و الصورة الفنية و الرمز .. و تزج بك دون سابق تحذير إلى عمق العمق و تطلقك كسنونو قد يواجه الربيع أو القفص أو الموت ..
تمتاز القصة لدى ريتا عودة بتكامل عناصرها الفنية .. و تسليط الضوء على القضايا الإنسانية و الوطنية .. و الأنثى بتفاصيل معاناتها و آمالها و التي جعلت من حلمها مادة أساسية لرؤيتها و الانطلاق إلى فضاءات الحرية و التخلص من كل ما هو أرضي و معرقل للحركة الفكرية و الظل لبعض بطلات القصص مثل : " حلم آخر " ص35 أو " أبعد من أن تطالني يد "ص84 ..
تؤطر الكاتبة لنظرياتها الخاصة المتعلقة بالذات و الآخر بملامحها الفلسفية و النفسية .. فهي تحمل هما كونيا يتضح بتعدد شخصيات قصصها و تنوعها على اختلاف معتقداتها و جنسها و تطلعاتها و عقدها تقول " ص18 " فراغ . مجرد فراغ يفصل بي البشر ،مجرد مسافات لا يمكن اجتيازها " أو في قصة " المسمار" ص 62 التي تحكي عن البعد الداخلي للوجع الذي ينبع من الذات و يظنه الإنسان من تكالب الظروف الخارجية عليه ..
و ناصحة في حين آخر " احصلي على اكتفائك العاطفي من ذاتك "
الرمزية لدى ريتا ليست مجازفة .. بل خطة مدروسة لاستثارة ذهن القارئ و تحفيزه و فتح نوافذ التجلي أمامه و حرية الاختيار .. هي تستضيفك حتى نهاية القصة و بعدها تجد نفسك على بحر حيفا أو أمام إشارة حمراء .. أو هواجس عاشقة أو مأساة وطن .. لا يمكنك المكوث في مكان القصة الواحد رغم أرضيته الصلبة .. ستنطلق كسنونو أو كغزال يلتقط رزقه من بئر المعنى أو مسرح الفكرة كيف شاء و ما استطاع أن يحمل في جعبته دون قيود . تميزت الكاتبة بإدارة المونولوج لشخصياتها بما يكتنفها من صراع بين الأنا الوجدانية و الأنا المنطقية ينتهي في أغلبه بانتصار الأنا العاشقة دون أي اعتبار لأي تحذير قد يطلقه غور النفس العقلانية .. كما اتضح جليا في العنوان الرئيس للمجموعة في قصة " أنا جنونك " .. أو قد تدمج حوارين داخليين بتماهٍ مدهش و بتركيز عال. ريتا تقترف العمق و تنثر الحقائق بذكاء و حرص كما في قصة " أنثى الظل" ص67. أو أنثى الحرائق ص 86.
أحببت استعراض الكاتبة للديانات الثلاث مذ بدء القصص بعيد الغفران اليهودي في قصة "أرض البرتقال " أو نشيد الملائكة في الميلاد المجيد " الأرض حب و في العلى مسرّة " ص96 حتى الاستلهام من النص القرآني لسورة التكوير ص70. في الختام القراءة للكاتبة ريتا ترجمة واقعية لمعاناة وطن وقع تحت نير الاحتلال و إنسان لبث زمنا طويلاً رهن المعتقدات البالية .. أو العاطفة بسموها و قلقها و غيابها و بعثراتها .. " أنا جنونك " هو إهداء للفكر و الخيال الإنساني بكل تجليات الجنون الثوري العاقل .









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق